بحث في الموقع

Saturday, January 30, 2010

بعد محاولات لاعتقال سياسيين اسرائيليين:تعديل قانون "ملاحقة مجرمي الحرب" البريطاني



بعد محاولات لاعتقال سياسيين اسرائيليين:تعديل قانون "ملاحقة مجرمي الحرب" البريطاني

بعد محاولات لاعتقال سياسيين اسرائيليين:
تعديل قانون "ملاحقة مجرمي الحرب"
البريطاني....حفاظاً على مكانتها الإقليمية




- لماذا تسعى بريطانيا لتغيير قانون ملاحقة مجرمي الحرب؟
- كيف التفت تسيبي ليفني حول هذا القانون و نجت من المحاكمة؟
- ما الخطأ القانون الذي اعتذر عنه رئيس الوزراء البريطاني، والذي بصدده صدرت مذكرة لتوقيف ليفني؟
- كيف يعد رئيس الوزراء البريطاني بتغيير النظام القضائي في ظل استقلال السلطة القضائية عن التنفيذية؟
- ما هي اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب ضد الإنسانية؟
- هل يمكن أن تمنح ليفني حصانة دبلوماسية؟




لا تلبث الحرب أن تنتهي ، حتى تترك وراءها رماد ودخان، ومناطق تشتعل بها ألسنة اللهب التي سرعان ما تنطفيء مع هبوب نسمات رقيقة تحوم حولها، ويمرعام أو أكثر بعدها، فتسمع عن محاكمات لسياسيين اعتقلوا بتهم ارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية، وعادة ما يكون هؤلاء السياسيين قد تخلوا عن مناصبهم السياسية، أو أنهم أرغموا على تركها لتسهيل محاكمتهم، والتخلص منهم سياسياً بأسرع ما يمكن.
وأبرز الأمثلة على هذه المحاكمات، محاكمة الرئيس العراقي السابق صدام حسين الذي اعتقل بعد الحرب الأمريكية على العراق 2003، وتمت محاكمته أمام العالم بتهمة ارتكاب جرائم بحق الشعب العراقي، وإعدامه عام 2006.
وقد مثل أمام محكمة جرائم الحرب الدولية الخاصة بيوغوسلافيا سابقاً أكبر عدد من المسؤولين الصرب السابقين من بينهم الرئيس الصربي السابق رادوفان كاراجيتش، بتهمة ارتكابه جرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية بحق المسلمين في كرواتيا والشيشان، وأقليات أخرى من غير الصرب.
إلى جانب ذلك، فقد صدرت مذكرة توقيف واعتقال بحق الرئيس السوداني محمد عمر البشير من قبل كبير المدعين بالمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو، وذلك لنفس التهمة...إبادة جماعية وجرائم حرب بإقليم دارفور غرب السودان، ليكون بذلك أول رئيس تلاحقه المحكمة الجنائية الدولية وهو في سدة الحكم.
وما نحن بصدد عرضه بشكل أوسع، والوقوف على أبرز التساؤلات لمن يتتبع الأحداث من عدة لقطات ومشاهد – السياسية منها والقانونية - هو قضية المحاولات المستمرة لإخضاع سياسيين إسرائيليين للاعتقال والمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية، وأبرز ما استوقف الرأي العام الدولي هو إصدار محكمة (ويستمنستر) البريطانية مذكرة توقيف واعتقال بحق رئيسة حزب كاديما الوسطي ووزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني لإخضاعها لمحاكمة عادلة بتهمة مشاركتها في جريمة الحرب على غزة2008 التي جاءت بعد إعلانها - ومن القاهرة – بدء عملية أسمتها "الرصاص المصبوب" بحجة القضاء على القرارات العسكرية للمقاومة الفلسطينية، واستخدام الأسلحة الفوسفورية المحرمة دولياً والتي تصيب بجروح بالغة.
وقد صدرت مذكرة التوقيف بحق وزيرة الخارجية خلال زيارتها للندن لحضور مؤتمر يهودي، ولكن الشرطة البريطانية لم تعثرعليها بالرغم من تأكيد شهود عيان على رؤيتها بأحد فنادق لندن، إلا أنها ادعت إلغاءها لتلك الزيارة نظراً لتعثر الوقت الذي حال دون حضورها لذلك المؤتمر.
ويلاحظ من ادعاءات ليفني أنها تحاول جعل هذه المذكرة غير قانونية، حيث أن هناك " قانون ملاحقة مجرمي الحرب " البريطاني، يسمح بمحاكمة مجرمي الحرب على أرضها ، ويمكن القاضي أيضاً من إصدار مذكرة اعتقال أي شخص يزور بريطانيا إذا اقتنع أن هناك ما يكفي من الأدلة لاستجواب الشخص المعني، وبالتالي تقديمه للمحاكمة.
وقد استغلت مجموعة من المحامين المتضامنين مع القضية الفلسطينية، والتابعين " للّجنة المركزية للتوثيق وملاحقة مجرمي الحرب"، وقاموا بإقناع قاضي محكمة "ويستمنستر" البريطانية لاستصدار مذكرة توقيف بحق ليفني، والتي قامت على إثرها الدنيا ولم تقعد، حيث اعترض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو على محاكمة الإسرائيليين، أو أن يحالوا أمام القضاء، موجها بذلك انتقادات شديدة لتقرير "ريتشارد جولدستون" رئيس لجنة تقصي الحقائق التابعة للمحكمة الجنائية الدولية الذي يكشف عن ارتكاب الجيش الإسرائيلي جرائم أثناء الحرب على غزة، والذي لفت أنظار العالم إلى ضرورة محاكمة السياسيين الإسرائيليين.
ومن هنا بدأت الأزمة بين الحكومة الإسرائيلية ولندن، حيث ترى الأولى أنه لا يجوز استغلال النظام القضائي لاستصدار مثل تلك المذكرات، وقد رأى خبراء القانون أن مشكلة إسرائيل مع بريطانيا تكمن في الاستقلال المطلق للسلطة القضائية عن السلطة التنفيذية، وأن مذكرة التوقيف هي مسألة قضائية لا يمكن للحكومة البريطانية التدخل فيها، كما أن في القضاء البريطاني، تصدر مذكرات التوقيف دون إبلاغ النيابة، وهي خاصية نادرة في النظام القانوني البريطاني.
وعلى إثر ذلك، قام مجموعة من السياسيين ومسؤولين في الحكومة الإسرائيلية بإلغاء سلسلة من الزيارات، مثل رئيس هيئة اركان الجيش الإسرائيلي موشيه يعالون، بسبب احتمال تعرضه للاعتقال إثر مشاركته في عملية اغتيال قيادات بحركة حماس.
وما أثار حفيظة الدولة الإسرائيلية هي تلك الملاحقات القضائية المتسلسلة التي قادت الحكومة الإسرائيلية للتهديد بقطع علاقاتها مع بريطانيا بنسف مكانتها الإقليمية، وسرعان ماقدم رئيس الوزراء البريطاني جوردن بروان اعتذاراً رسمياً لتسيبي ليفني شخصياً على مذكرة الاعتقال التي صدرت في حقها، والأغرب من ذلك أنه وعد بتعديل القانون الذي يتيح لبريطانيا ملاحقة مجرمي الحرب والسماح بمحاكمتهم على الأرض البريطانية، وهو قانون "ملاحقة مجرمي الحرب"، وذلك تجنباً لتكرار هذه المواقف.
وعليه، فقد ألغت محكمة (ويستمنستر) البريطانية مذكرة الاعتقال بعدما تبين عدم وجود تسيبي ليفني داخل الأراضي البريطانية.
ولعل العرض الذي قدمه بنيامين نتنياهو، بانضمام ليفني للحكومة من جديد بحجة جعلها حكومة وحدة وطنية، هي نقطة لصالح ليفني، إذ أنها بذلك يمكن أن تمنح حصانة دولية تجعلها بمنآى عن أي محاكمات أو محاولات لاعتقالها.


ومن الملاحظ أن بريطانيا قد تعاملت مع القضية بمنتهى السطحية والتحيز لصالح إسرائيل، إذ إنها عالجت جرم بجرم أكبر منه، فعندما يشارك مجموعة من المجرمين في إبادة جماعية كالتي حدثت في قطاع غزة، وأوشكت العدالة أن تتحقق بإعطاء كل ذي حق حقه، ومعاقبة الجاني على جرم فادح كهذا، وذلك باستصدار مذكرة توقيف كانت ستمكن العالم من مشاهدة مجرمي الحروب والنسف والإبادة وهم في قفص الاتهام، ثم تتراجع فجأة عن قرارها وتوقف عمل المذكرة، بل تذهب إلى أبعد من ذلك وتقوم بتعديل القانون الذي أثار ذلك الموقف، وكأنها تقوم بحياكة قانون يحفظ لها علاقتها الخاصة مع إسرائيل أن يصيبها أي خلل، إذاً فما الهدف من إصدار مذكرة من البداية؟؟ ألم تتوقع المملكة المتحدة هذا السيل من الاتهامات والتهديدات؟ ألم تخش على علاقتها قبل إصدار المذكرة؟ وكيف لها أن تحاكم سياسيي دولة قامت هي ببناء أساساتها لبنةً لبنة، وكانت تساندها في جميع الحروب التي خاضتها ضد العرب والمسلمين لحظة بلحظة في سبيل الإبقاء على الدولة الإسرائيلية، أم أن هذه المذكرة جاءت لإحراج الأنظمة العربية الذين يجتمعون مع هؤلاء السياسيين ويتعاملون معهم سراً وعلانيةً؟ هل من المعقول أن تصف الحكومة الإسرائيلية تطبيق القانون بأنه استغلالاً قضائياً؟؟
وما الخطأ القانوني – التي وصفته الحكومة البريطانية – واعتذرت عنه بعد صدور المذكرة؟؟
وألم يكن تقرير جولدستون وحده كفيلاً باعتقال مجرمي الحرب ومحاكمتهم؟
الواقع أن تعديل قانون "ملاحقة مجرمي الحرب" بمثابة إفلات السياسيين الإسرائيليين من العقاب، وخرقاً فاضحاً لالتزامات بريطانيا الدولية، لذلك كان من الأجدر أن نعرض لاتفاقية غاية في الاهمية، و هي اتفاقية
"عدم تقادم جرائم الحرب و الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية" والتي اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1968، وبدء نفاذها عام 1970، وهي تختص بتسليم ومعاقبة مجرمي الحرب بقرارات أصدرتها الجمعية العامة والتي تؤكد على مبادئ القانون الدولي المعترف بها في النظام الأساسي لمحكمة "نورمبرغ" العسكرية الدولية، إلى جانب قرارات أخرى نصت صراحةً على إدانة انتهاك حقوق سكان البلاد الأصليين الاقتصادية والسياسية من ناحية، وإدانة سياسة الفصل العنصري من ناحية أخرى.
وما يميز هذه الاتفاقية أنها تؤكد على أهمية عدم تقادم جرائم الحرب، كونها أخطر الجرائم في القانون الدولي، ولذلك كان مهماً أن تكون هناك اتفاقية تخضع جرائم الحرب لقواعد القانون الداخلي المتصلة بتقادم الجرائم العادية.
ونحن نعرض لأهميتها القصوى للحد من الجرائم التي ترتكب بحق الإنسانية أثناء الحروب والمنازعات، وأهميتها بالنسبة للانتهاكات اليومية التي تحدث بحق فلسطين، وخاصة الحرب الأخيرة على غزة بالرغم من أن هذه الحرب - كجريمة – ليست قديمة، إذ مر عليها عام فقط، إلا أن هذه الاتفاقية بمطالبتها بعدم تقادم جرائم الحرب، فهي تضفي أهمية على أن يطالب المجني عليه بحقه حتى آخر لحظة وأن يلاحق الجاني حتى آخر لحظة.

No comments:

Post a Comment